القسم 2 : الإجراءات الاجتماعية من أجل تغيير التمثلات والاتجاهات الاجتماعية تجاه التربية الدامجة
المحور 3 : التوعية بطبيعة التربية الدامجة
المحور 3 : التوعية بطبيعة التربية الدامجة
الموضوع 6: كيف يمكن الإقناع بأهمية التوعية من أجل تربية دامجة؟
تعريف بالموضوع
يشكل إقناع مكاتب الجمعيات وأعضائها وكذا الممولين لأنشطتها
بأهمية التحسيس والتوعية حول التربية الدامجة أمرا مهما لاعتبار أن أي مخطط عمل في
هذا الباب يستلزم الانخراط الكلي لجميع الفاعلين كما يتطلب نفسا طويلا وعملا
ممنهجا يجمع بين الاشتغال مع الأفراد والتوجه للجماعات في الوقت نفسه .
ولما كانت التربية الدامجة أمرا غير معتاد في مدارسنا، فإن
حملات للتحسيس والتوعية بطبيعتها ومرتكزاتها تعتبر أمرا ضروريا.
هذه التوعية تجد مبررها أيضا في كون التربية الدامجة ليست عملية
وضع أطفال ذوي احتياجات خاصة على طاولات في أقسام مع أطفال آخرين، بل هي تحول نوعي
في الاتجاهات والمواقف والتمثلات التي يحملها المجتمع عن هؤلاء الأطفال الذين ظلوا
مقصيين، بشكل أو بآخر، من حقهم في تعلم مساو بتقنيات متكيفة.
مبررات تنظيم حملات للتوعية والتحسيس
يعتبر انتهاج التربية الدامجة تصورا جديدا وممارسة مختلفة لما
اعتادته مؤسسات التعليم ببلادنا. إن هذا
التصور البيداغوجي الجديد هو في واقع الأمر نضج سياسي حقوقي وبيداغوجي وتحول يستدعي
تغيير تمثلات ومواقف واتجاهات لا ترتبط فقط بقدرة الأشخاص في وضعية إعاقة على
التعلم في ظروف عادية، بل بمبادئ عدم الإقصاء والعيش المشترك والمساواة.
إن هذه القيم، التي تشكل مبادئ التربية الدامجة لا يتم
استيعابها من طرف الجميع بنفس درجة التلقائية ولا يتم تبنيها من طرف كل الفاعلين
بنفس اليسر والسهولة. الأمر الذي يحتم القيام بحملات للتوعية والتحسيس من أجل
المعرفة أولا وتغيير الاتجاهات ثانيا وسلك الممارسات المتوافقة ثالثا.
لذلك كان من مبررات تنظيم المنظمات والجمعيات الموضوعاتية
لحملات للتوعية حول التربية الدامجة يأتي أساسا من معطيين اثنين:
•المعطى الأول يتجلى في كون الأحكام والمستبقات الاجتماعية حول
الأطفال في وضعية إعاقة في أغلب الأحوال تتجه نحو اعتبار تمدرسهم لا يشكل حقا ولا
يمثل ضرورة. مثل هذه الأحكام والمستبقات لا نجدها فقط لدى عامة الناس، بل وأيضا
لدى الكثير من أسر هؤلاء الأطفال ولدى فئة عريضة من المدرسين الذين يعتبرون أن بعض
الإعاقات لا يمكن أن تسمح بالتعلم فبالأحرى التعلم ضمن قسم عاد. وهذا الحكم الذي
يجرد هذه الفئة من حق من حقوقها يذهب أحيانا إلى تجريد البعض منها حتى من طبيعتها
البشرية خاصة بالنسبة للأطفال في وضعية إعاقة ذهنية ومنها الحياة الجنسية مثلا.
•المعطى الثاني يتعلق بكون التربية الدامجة تفرض تعلم هؤلاء
الأطفال في أقسام عادية. وهو أمر غير معتاد لكون مثل هؤلاء الأطفال ظلوا لحد اليوم
إما مقصيين من أي تعليم أو في أحسن الأحوال يُجمّعون ضمن أقسام الدمج المدرسي أو مراكز طبية خاصة. وقد تكلست في تصورات الكثير من
الناس أن دمج هذه الفئة في أقسام عادية لا يمكن أن يحقق تعلمهم لأن تلك الأقسام لم
تُخلق لهم وأن مثل هذا الإجراء سيشوش على تعلم الأطفال الآخرين.
تنبني هذه الأحكام على انعدام الوضوح بصدد هذين المعطيين، إذن.
فانعدام المعرفة العلمية بإمكانيات الطفل في وضعية إعاقة وبقابليته للتعلم
إن توفرت الوساطة الكفيلة بتحقيق ذلك، تجعل الكثير من الناس يشكلون مواقف واتجاهات
سلبية.
كما أن عدم الإلمام بمرتكزات التربية الدامجة وبمقوماتها وأسسها
وممارساتها البيداغوجية والديداكتيكية تدفع الكثيرين، بمن فيهم العديد من آباء
وأولياء هؤلاء الأطفال ذاتهم إلى عدم الاقتناع بجدوى وضعهم مع أطفال آخرين
«عاديين.»
حاولت دراسة بفرنسا سنة 20113 رصد مواقف واتجاهات الناس من وضع أطفال في وضعية إعاقة ضمن أقسام عادية .شملت هذه الدراسة 1028 شخصا من عموم الناس تفوق أعمارهم 18 سنة و325 مدرسا . طرحت الدراسة سؤالا حول ما هي المؤسسة الأليق لتعلم هؤلاء الأطفال، وكان على المستجوبين تقديم اختياراتهم عبر التعبير عن مدى موافقتهم على أنماط المؤسسات. وقد جاءت النتائج كالآتي:
الفئات المستهدفة من حملات التحسيس
بفعل كون التربية الدامجة تستدعي الانخراط الواعي للعديد من
الفاعلين، فإن عمليات التحسيس والتوعية ينبغي أن تستهدفهم جميعا لكون كل واحد منهم
يشكل حلقة من سلسلة مترابطة.
تحتاج الأسر إلى التحسيس بحق أطفالها في تلقي تمدرس منصف وعادل
ومساوي لباقي الأطفال ولكن متكيف مع طبيعة كل واحد منهم. كما تحتاج إلى معرفة
طبيعة التربية الدامجة وأسسها والدفاع عنها وتغيير المواقف والتمثلات الخاطئة حول
قدرات وإمكانيات أبنائهم وبناتهم .
ويحتاج تلاميذ الأقسام «العاديون» لمثل هذا التحسيس بغاية تقبل
زملائهم والاشتغال معهم والتفاعل الإيجابي معهم وتقبل الاختلاف واستيعاب مبدإ
العيش المشترك الذي يؤسس لأخلاقيات تقبل الآخر وتقدير إمكانياته.
ويحتاج آباء هؤلاء الأطفال بدورهم إلى التوعية والتحسيس لمساعدة
أبنائهم على اكتساب مبدإ تقبل الاختلاف والعيش المشترك، لآن الأسرة تلعب دورا
كبيرا في تشكيلهما لدى الطفل. ولا يمكن لهذا الإكساب أن يتم عبر الكلام فقط، بل من
خلال الفعل أساسا.
أما المديرون فيحتاجون إلى التكوين حول التربية الدامجة، ولكن
أيضا يمكن تعزيز هذا التكوين عبر عمليات التحسيس والتوعية خاصة في بداية إرسائها.
ويسري الأمر نفسه على مدرسي الأقسام وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون التخلص من
قناعات وتمثلات ترسخت أو مقاربات بيداغوجية تتناقض مع فلسفة الدمج.
طبيعة حملات التحسيس والتوعية حول خصائص التربية الدامجة
تختلف طبيعة هذه الحملات من حيث موضوعها وخطاباتها ومن حيث
تقنياتها ووسائلها وذلك بحسب طبيعة الفئات المستهدفة. غير أنه بالرغم من هذه
الاختلافات إلا أنها جميعها تلتقي حول هدف واحد هو دعم مشروع التربية الدامجة
وإنجاحه.
•بالنسبة لآباء الأطفال في وضعية إعاقة: يتجلى دورهم في الاقتناع
الراسخ قبل غيرهم بحق أبنائهم في التمدرس ضمن أقسام عادية وفي أهمية هذا الدمج وفي
قدرة أبنائهم على التعلم الذي ليس ترفا بل ضرورة حيوية .
•إن توفر هذه القناعة سيسمح لهم بالعمل على تسجيل أبنائهم
ومواكبة دراستهم والحرص على إنجاحها، وبالتالي فإن توعية الآباء ينبغي أن ترتكز
على إعطاء المعلومات وعلى استهداف التمثلات والاتجاهات والدفع إلى بناء كفايات
والدية. ولعل أفضل مسلك في هذا الباب هو تنظيم ورشات المناقشة والتفاعل وتقنيات
بناء الكفايات النفس اجتماعية. وقد بينت التجربة أن هذا الأسلوب أكثر نجاعة من
طريقة الاقتصار على الشحن بالمعلومات أو أسلوب التخويف عبر إبراز مخاطر عدم الدمج le faire peur أو الاشتغال على الاتجاهات.
تطور أساليب وبراديغمات التوعية
بالنسبة للأطفال الآخرين وآبائهم، يمكن لعمليات التوعية أن تركز أساسا على التحسيس بأهمية دورهم في مساعدة الأطفال في وضعية إعاقة وباقي الأطفال الآخرين ذوي الاحتياجات الخاصة من أجل الاندماج وإبراز كيف يمكن أن يستفيد الجميع من ذلك.
يمكن أن تتخذ هذه التوعية أشكال محاضرات وعروض ولكن بينت تجارب K. Lewin أن تغيير المواقف ومشاعر التقبل تتم أفضل عبر المناقشة ضمن جماعات
صغرى. إن النقاش الجماعي الموجه هو القادر على تغيير الاتجاهات وتشكل القيم
الجديدة وترسخها. لذلك تبقى الجمعيات مطالبة بتجاوز الاقتصار على الشحن والوعظ
لأنهما آليتان لا تضمنان ترسيخ المواقف.
مدرسو الأقسام العادية والمديرون يمكن استهدافهم أيضا بالرغم من
أن انخراطهم الفعلي في عملية الدمج يتوقف أيضا على تكوين خاص في مجال التربية
الدامجة.
يمكن للحملات الموجهة لهاتين الفئتين أن ترتكز أساسا على
التطمين على تعاون الأسر وعلى إرادتها في العمل المشترك من أجل تيسير تحقيق
الأهداف .
يمكن أن تتم هذه العملية عبر اللقاءات والاجتماعات وعبر ورشات
عمل يمكن أن تنظمها الجمعيات، يتم خلالها تبادل الآراء والأفكار، مما يُشعر
المدرسين والمديرين بكونهم ليسوا وحدهم من يواجه إكراهات التربية الدامجة
ورهاناتها.
----------------------------------
المرجع :
دليل الأسرة والمنظمات غير الحكومية في التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة
مديرية المناهج 2019
مديرية المناهج 2019
إرسال تعليق