مقدمة:
يجدر، قبل الشروع في صياغة هذا الإطار المرجعي، الوقوف
عند طبيعة واقع حال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة ضمن المؤسسات التعليمية
المغربية، لتبين طبيعة الإجراءات والتدابير التنظيمية المؤطرة لهذا التمدرس، وكذا
المقاربات المعتمدة في هندسة التعلمات المقترحة على هؤلاء الأطفال والتدابير
الديداكتيكية المتعلقة بها. إن قراءة في هذا الواقع تسمح ببلورة رؤية حول العرض
التربوي الحالي، مما يسمح باقتراح ما يمكن استثماره وما ينبغي تجاوزه.
لقد اعتمدت الوزارة استراتيجية تسعى من خلالها إلى تمكين
الأطفال في وضعية إعاقة خفيفة أو متوسطة، ذهنية أو حسية، من متابعة الدراسة
بالأقسام العادية أو بأقسام الإدماج المدرسي CLIS داخل
المدارس المغربية حسب البرامج المعمول بها رسميا. وحددت لأقسام الإدماج التي
أحدثتها الوزارة منذ الموسم الدراسي 1998/1997 وظيفة إعداد هذه الفئة من الأطفال للاندماج والدمج التربوي مع
أقرانهم في المسارات المدرسية، من خلال تكييف المحتويات وطرق وتقنيات التدريس،
والتركيز على حاجياتهم انطلاقا من تشخيص لقدراتهم وإمكاناتهم ووتيرة تعلمهم،
والعمل على تنمية معارفهم التعليمية الأساسية من قراءة وكتابة ورياضيات وتواصل
لغوي، مع الحرص على تنشئتهم الاجتماعية المرتكزة على تطوير قدراتهم بغية إكسابهم
الاستقلالية، والاعتماد على النفس، وتطوير علاقاتهم ومواقفهم اليومية داخل وخارج
المدرسة، وتأهيلهم للاندماج السوسيو اقتصادي لاحقا.
وقد تم، ضمن هذا الإطار، رصد مختلف التجارب المرتبطة
بأقسام الإدماج المدرسي وما يقدم ضمنها عمليا من أنشطة وما يدبرها من صيغ تنظيمية،
وذلك ضمن جهتين هما جهة سوس ماسة وجهة الشرق[1]. وقد سمح
الاشتغال، عبر تقنيات المناقشة ضمن مجموعات بؤرية متشكلة من مدرسين ومديرين
وجمعيات ومفتشين ومن أطر طبية وشبه طبية، من التعرف على مختلف التجارب، وكذلك بعض
الإكراهات التي تحد من نجاعة تلك الأقسام.
وهكذا سمح هذا الرصد باستخلاص مجموعة من الخلاصات لعل أهمها ما يأتي:
على مستوى المفاهيم المستعملة:
تم تسجيل بهذا الخصوص ملاحظتين اثنتين:
- تعدد الاصطلاحات والمفاهيم المستعملة في المذكرات والوثائق الإدارية
والتربوية، إذ لوحظ عدم وجود مفهوم مؤسساتي رسمي واضح ومتفق عليه حول التسمية
المفترض اعتمادها في ما يتعلق بالأشخاص/ الأطفال في وضعية إعاقة (الأطفال ذوو
الاحتياجات الخاصة، الأطفال المعاقون، الأطفال في وضعية إعاقة. )
- عدم التوفر على مقاربة وطنية في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، إذ لم
يحسم الأمر فيما يتعلق بأنواع المقاربات الحاضرة في الميدان (التربية المتخصصةEducation spécialisée ، تربية الإدماج المدرسي Education d’intégration ، التربية
الدامجة inclusive Education)، حيث يعتمد السياق المدرسي
العمومي على مجموعة من الرؤى والمقاربات والمفاهيم التربوية غير مؤسسة نظريا بشكل
موحد وقار: الدمج الجزئي الدمج الكلي... إلخ .
واقع إحداث وتدبير أقسام التمدرس الخاصة بالأطفال في وضعية إعاقة:
تم رصد عدة تفاوتات من حيث
الإجراءات المرتبطة بفتح أقسام الإدماج
المدرسي، وكذا إجراءات تسجيل الأطفال، بحكم المعطيات الآتية:
-
الارتهان بالخريطة المدرسية وإعطاء
الأولوية للأقسام العادية، واعتبار قسم الإدماج أمرا غير ذي إلحاحية.
- قلة الحملات التحسيسية والتعبوية في مجال استقطاب وتشجيع تمدرس الأطفال في
وضعية إعاقة، وخاصة في الوسط القروي.
-
تسجيل الطفل في وضعية إعاقة
من دون اعتماد لملف طبي أو تشخيص لطبيعة الإعاقة.
- فتح قسم الإدماج المدرسي على أساس تجميع بعض الأطفال في وضعية إعاقة دونما
اعتبار لتفاوت الإعاقات ،وتخصيص قسم وعزله عن باقي الأقسام الأخرى، وعن مختلف أنشطة الحياة المدرسية، وعدم إدراجه ضمن المشروع التربوي للمؤسسة.
- غياب الولوجيات، وعدم توفر أقسام الإدماج على التجهيزات والوسائل
الديداكتيكية والبيداغوجية المنسجمة مع طبيعة الأنشطة الخاصة بكل إعاقة.
أشكال التنظيم البيداغوجي للفضاء ولزمن التعلم بأقسام الإدماج المدرسي:
تم تسجيل تفاوتات على مستوى تنظيم مجال أقسام الإدماج أبرزها:
-
تراوح عدد التلاميذ بين 4 إلى 20 تلميذا في
وضعية إعاقة بالقسم الواحد.
- تواجد أصناف غير متجانسة من الإعاقات ضمن نظام صفي تقليدي، مع انعدام أية
صيغ لتنظيم مكيف للفضاء والمقاعد وأماكن / وضعيات التعلم المطابقة لصنف الإعاقة.
أما على مستوى الزمن المدرسي، فقد لوحظ تعدد صيغ التنظيم الزمني، حيث يتم
العمل بالصيغ التالية:
-
العمل كل يوم بفترتين
زمنيتين: فترة صباحية وفترة مسائية.
-
العمل بنظام الفترة الصباحية
من الثامنة صباحا إلى الثانية عشرة زوالا.
-
العمل بنظام التوقيت المستمر
من التاسعة صباحا إلى الثالثة بعد الزوال.
وإن غياب صيغة موحدة يمكن إرجاعه إلى عدم وجود إقرار لدى
الإدارة المدرسية ولدى المفتشين باعتماد استعمالات الزمن الخاصة بأقسام الإدماج
المدرسي، بالإضافة إلى غياب أية إجراءات تنظيمية رسمية في مجال التنظيم الزمني
لإيقاعات التعلم.
مضاميـن أنشطـة التعلـم:
لقد تم الوقوف على عدة أشكال
من عدم التنظيم وعدم الوضوح فيما يتعلق بالبرامج التعليمية الخاصة بالأطفال في
وضعية إعاقة، إذ سجل بهذا الخصوص:
- عدم الانطلاق من طبيعة وخصوصية الإعاقة، وحاجيات التعلم، وبالتالي عدم وجود
أية مرجعية كفايات أو أهداف تؤطر وتوجه مسارات التعلم لدى هؤلاء الأطفال.
-
عدم تحديد مجالات ومضامين
التعلمات الأساسية والداعمة بحسب أصناف الإعاقات المتواجدة.
- اعتماد كلي أو جزئي على بعض المضامين غير المنسجمة مع طبيعة الإعاقة
المستهدفة، والتي تقتطع من بعض الكتب المدرسية وكراسات التعليم الأولي والابتدائي.
كما لوحظ أن تقديم الأنشطة يتم بشكل ارتجالي من غير استناد إلى أسس بيداغوجية دقيقة
وواضحة.
مقاربات التـدبير الديداكتيكي بأقسـام الإدمـاج المـدرسـي:
لوحظ عدم وجود تصور واضح للتدبير الديداكتيكيي، وقد تجلى ذلك في:
- عدم التجانس في أهداف التعلمات وأنواعها، بحيث يتم الاشتغال بنفس الأهداف مع إعاقات مختلفة
ومتفاوتة في الدرجة وأنواع القصور والحاجيات.
-
عدم تدبير التعلمات انطلاقا
من التصور الفارقي.
- عدم اعتماد المشروع البيداغوجي الفردي كتقنية اشتغال، في الوقت الذي كان من
المفروض أن يكون هو المسلك البيداغوجي المعتمد في مثل هذا النوع من الأقسام.
-
انعدام التجانس في الإجراءات
البيداغوجية والديداكتيكية، وفي الممارسات المهنية للمدرسين عموما.
إجـراءات التـقويـم:
رغم الجهود التي بذلتها وزارة التربية الوطنية والتكوين
المهني والتعليم العالي والبحث العلمي من أجل توفير بعض الصيغ التنظيمية في مجال التقويم الخاص بتمدرس
الأطفال في وضعية إعاقة، إلا أنه يمكن تسجيل غياب مقاربة بيداغوجية واضحة في مجال
التقويم والمعالجة بأقسام الإدماج، وذلك سواء على مستوى اعتماد أدوات تقويم
التعلمات المتكيفة مع كل صنف من أصناف القصور وتحديد أنماط المعالجة، أو على مستوى
التقويم من أجل اتخاذ قرار الانتقال من مستوى دراسي إلى أعلى، وبالتالي على مستوى
إجراءات الامتحانات الإشهادية (مع استثناء الوضع بالنسبة لأطفال الإعاقات البصرية
والسمعية. )
صيغ التأطير الإداري والتربوي الخاصة بالفاعلين في مجال الإدماج المدرسي:
رغم ما قامت به الوزارة من
إجراءات في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة منذ 1998، إلا أنه يلاحظ أن هناك نقصا في
الجانب التأطيري للممارسات الإدارية والتربوية، وذلك على مستوى:
- تكوين أطر التفتيش في مجال تأطير ومراقبة أقسام ومدرسي الأطفال في وضعية
إعاقة، وتكليفهم رسميا بذلك.
- تكوين أطر الإدارة التربوية في مجال التأطير الإداري والتربوي لتلك الأقسام
.
- التكوين الأساس والمستمر للمدرسين والمدرسات العاملين بها .
أشكال التكامل بين الفرقـاء المتدخليـن في مجـال تمـدرس الأطفال في وضعية إعاقة:
إذا كان تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة يقتضي مقاربة
تشاركية بين الفاعلين التربويين والفريق الطبي وشبه الطبي والأسرة وجمعيات المجتمع
المدني، فإن عدة مظاهر من عدم التنسيق قد تم تسجيلها، حيث غلبت مظاهر اللاتكامل،
بل وأحيانا التنافر، بين أشكال التدخل
المقدمة من طرف هؤلاء المتدخلين جميعا.
إرسال تعليق