الموضوع 13: الوالدية الإيجابية والطفل في وضعية إعاقة
مفهوم الوالدية
يعتبر مفهوم الوالدية من المفاهيم المتداولة في السنوات الأخيرة .ولعل من أسباب هذا التناول المكثف تزايد الوعي بأهمية التربية الوالدية في مجتمع متحول باستمرار. غير أن العديد من الدراسات )منها دراسات J.-P. Pourtois ( تحدثت عن أثر التحولات التي عرفها القرن العشرون في مجال التربية الأسرية التي فقدت مع بروز المدرسة المعاصرة دورها كناقل للمعرفة. كما أن التحولات التي عرفتها
المنظومة القيمية جعلت التربية تفقد الكثير من الموجهات les repères ، مما خلق أزمة في التربية الوالدية وأدى بالعديد منها إلى التنازل عن دورها أو التراخي في القيام به كنوع من الإقرار بالعجز. هذه الوضعية المتأزمة هي ما جعلت العديد من الدراسات تتساءل حول الوالدية في المنظور المجتمعي الجديد وأدوارها وقدرتها على تجاوز الأزمة .
لكن بالرغم من الانتقادات الموجهة أحيانا إلى هذا التراخي أساسا في السلطة الوالدية، فإنه في المقابل برزت دراسات أخرى تؤكد على أهمية هذه الوالدية في تحقيق الصحة الجسمية والنفسية التي تشكل ركائز التعلم .
وهكذا وبقدر ما منح للوالدية من قوة في التأثير على سلوك الفرد ومن أهمية في بناء شخصيته، بقدر ما تم ربط مختلف المشاكل النفسية والاجتماعية والصحية بها وبممارساتها التربوية سواء المباشرة )الواعية( أو الضمنية من خلال ما تقدمه من نماذج سلوكية لأطفالها أو من خلال القنوات العاطفية التي عبرها تصرّف تعاملاتها .
غير أنه ينبغي الإشارة إلى وجود تعدد في تحديد مفهوم الوالدية، إذ تختلف التحديدات باختلاف المقاربات النظرية )المقاربة التحليلية، المقاربة الاجتماعية، المقاربة السوسيولوجية، المقاربة السيكوتربوية(....
تعرفها اللجنة الوطنية الفرنسية لدعم الوالدية Le comité national de soutien à la parentalité بأنها مجموع الطرق التي يعيشها ويكونها الوالدان كآباء سواء في بعد هذا العيش المادي أو السيكولوجي أو الأخلاقي أو القانوني أو الثقافي أو أيضا الاجتماعي. إنها الصلة التي تجمع بين راشد وطفل ضمن أسرة، كيفما كانت بنيتها، وذلك بهدف تأمين العلاج والحماية والنمو والتربية لفائدة الطفل.
مثل هذه العلاقة تفرض مجموعة من المهام ومن الحقوق والواجبات التي ينبغي ممارستها من أجل الصالح الأعلى لهذا الطفل، وذلك ضمن رابطة يحددها القانون هي السلطة الوالدية.
معالم الوالدية الإيجابية
من الصعب تقديم وصفات جاهزة حول طبيعة وخصائص الوالدية الإيجابية. إن الأدبيات التي اشتغلت على هذا المجال اكتفت، في الغالب، بمناقشة بعض الموجهات العامة التي يمكن أن تتغير بحسب طبيعة السياقات وخصائص شخصية الطفل وحاجياته وعلاقاته وماضيه أيضا. لذلك إن الوالدية الإيجابية مثلا بالنسبة لطفل في وضعية إعاقة قد تختلف معاييرها عن وضعية طفل سليم. تزداد هذه النسبية أيضا بحسب سن هذا الطفل وما إذا كان طفلا أو مراهقا، ذكرا أو أنثى، وهكذا. إن ما يمكن اعتباره إيجابيا في حالة قد يصبح غير ذلك في حالة أخرى، لكن مثل هذه الفضفاضية لا ينبغي أن تجعلنا نتغافل عن بعض المعالم العامة للوالدية الإيجابية.
يمكن القول إن مفهوم الإيجابية هنا تتموقع بين قطبين متناقضين هما الوالدية التسيبية le .répressive وبين الوالدية القامعة laisser faire
تتميز الأولى بنوع من التخلي عن المهام المطلوبة من الوالدين بما في ذلك تحقيق بعض الحاجيات الأساسية كالحماية والتربية والصحة. يعتبر الوالدان من هذا النوع متجاوزين أو لا يمتلكان الكفايات للتربية أو بكل بساطة يعتقدان أن أسلوبهما في التربية هو الأفضل.
نجد مثل هذا الأسلوب لدى بعض الآباء الذين لديهم أطفال في وضعية إعاقة الذين يعتبرون أنه لا يمكن فعل شيء ولا ضرورة له، فالوضع ميؤوس منه، فيرمون الحبل على الغارب ويرفعون أيديهم.
أما الوالدية القامعة فتتميز بالتسلطية إلى درجة الخنق، إنها والدية غير متفهمة وغير مرنة، لا تؤمن بالتواصل التفاعلي وخطاباتها عمودية. تعتبر هذه الوالدية أن الضبط هو أسلوب التربية وأن الوعظ الدائم هو الأداة وأن الإذعان هو المسلك السليم.
إن كلا النمطين لا يمكن أن يؤديا سوى إلى نتائج سلبية، فالإفراط في السلطة الوالدية وفي التحكم وفي التتبع تنتج عنها شخصية عدوانية أو خانعة والتفريط في ممارسة الأدوار الوالدية والسقوط في الفوضوية تتركب عنها شخصية مستهترة وفوضوية وتائهة لكون التربية الوالدية لم تمنحها الموجهات الضرورية.
تبقى إذن الوالدية الإيجابية هي تلك الكيفية التي يدبر بها الوالدان علاقاتهما الدائمة مع طفلهما بشكل إيجابي، بحيث تتميز ممارساتهما تجاهه بلا إفراط ولا تفريط. إنها تربية تنطلق من مبادئ منها اعتبار طبيعة الطفل خيرة وأن لديه القابلية للتعلم إلى أقصى درجة ممكنة إن توفرت لديه الوساطة التربوية الملائمة وأن المربي والدا كان أو مدرسا ينبغي أن يمارس على الدوام تأملا استبصاريا une pensée réflexive في ممارساته .
من بين مرتكزات الوالدية الإيجابية، يمكن ذكر ما يأتي:
•تقبل الطفل بكل خصائصه وإبراز الحب له، وهو ما يحقق له الشعور بالأمن والثقة؛
•احترامه كذات متميزة لا التعامل معه كوسيلة لتحقيق رغبات أو هوامات des fantasmes
•إدراك حاجيات الطفل وخصوصياته النمائية وإمكانياته، وهذا يستلزم المعرفة وأيضا مهارة التأمل؛
•التقدير الجيد لحجم قصوراته الراهنة والوعي بإمكانيات تطوره المستقبلية؛
•تثمين إمكانيات الطفل والانطلاق منها عوض الارتهان بقصوراته؛
•البحث عن قنوات التواصل الإيجابي مع الطفل وملاءمتها مع طبيعته؛
•التواصل من دون صراخ أو عقاب انتقامي؛
•ممارسة الإنصات الفعال باستمرار؛
•الاشتغال الدائم على رفع تقدير الذات لدى الطفل وتشجيعه، لأن مشاعر الفشل تساعد على الفشل وتحد من الإصرار على التطور والنجاح؛
•دعم استقلالية الطفل والشعور بالمسؤولية عوض الطاعة العمياء والتبعية ...
ما الذي يؤثر على تشكيل طبيعة الوالدية؟
هناك مجموعة من التأثيرات التي ترسم معالم الوالدية التي نمارسها. بعض تلك العوامل ترتبط بما تعلمناه من مختلف القنوات )التربية الوالدية التي تلقيناها والتي نجد أنفسنا بصدد إعادة إنتاجها لأنها شكلت لنا النموذج، المعارف التي نستمدها من الحياة أو من وسائل الاتصال الجماهيرية أو من نصائح الآخرين(. هناك أيضا بعض المتغيرات الخارجية التي ترسم معالم والديتنا والتي ينبغي أن نعيها. كم تلك العوامل عدد الأطفال وجنسهم وسنهم وطبيعة العلاقات الزوجية ومناخ العمل وظروفه وطبيعة السكن العائلي ...
بعض العوامل الأخرى قد تكون لا واعية، حيث خلال الممارسة التربوية يبرز الطفل المكبوت فينا والذي يستمر حتى عندما نكبر.
تحدد العوامل اللاواعية بعض اتجاهاتنا وممارساتنا آباء وأمهات لأننا نربي بكامل شخصيتنا، أي بمعارفنا وبمشاعرنا وعقدنا ومركباتنا وبانتظاراتنا واتجاهاتنا ومواقفنا.
من ثم كانت مساهمة الوالدية في التربية الدامجة هي أولا عمل على تغيير في كل تلك المقومات. التربية الدامجة من جانب الأسرة لا يمكن أن تتم إلا أذا كانت الوالدية إيجابية بالمعنى الذي تم تحديده من قبل.
التربية الدامجة تغير والوالدية الإيجابية هي القدرة على التوافق مع هذا التغير. هذا التوافق يستلزم القطع مع الأشكال المحددة للتربية التسلطية القامعة أو التربية التسيبية الفوضوية .
يستلزم القطع مع تلك المحددات أولا التصالح مع الذات من حيث الوعي بالمركبات والعقد والإسقاطات غير السليمة ومع السلبية تجاه وضعية الطفل سواء على مستوى القناعة بإمكانياته أو بتوقع تطوره.
التخلص من السلبية تفرض أيضا التخلص من التأثيرات السلبية للمحيط. لذلك يكون الوالدان مطالبين، قبل أن يعملا على رفع تقدير الذات لدى طفلهما، عليهما أن بامتلاك تقدير إيجابي لذاتيهما هما نفسيهما وأن يتخلصا من كل مشاعر النقص أو التذمر من وضعهما.
-----------------------------------
المرجع :
دليل الأسرة والمنظمات غير الحكومية في التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة
مديرية المناهج 2019
مديرية المناهج 2019
إرسال تعليق